أبوظبي (الاتحاد)

في مسرح «شاطئ الراحة» بأبوظبي، انطلقت أحداث رابع حلقات البث المباشر من برنامج «أمير الشعراء» بموسمه الثامن، والذي تنتجه لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي.
وبحضور عيسى سيف المزروعي، نائب رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي، وسلطان العميمي، مدير «أكاديمية الشعر»، أعلنت مقدمة الموسم لجين عمران عن اسمي الشاعرين اللذين تأهّلا عن الحلقة الثالثة، بعد جمع نتيجة تصويت المتابعين مع درجات لجنة التحكيم.
وتمكنت الشاعرة الإماراتية شيخة المطيري من تخطي هذه المرحلة بفضل درجاتها التي وصلت إلى 73 درجة، متجاوزة بذلك درجات زميلها الشاعر البحريني علي حسن إبراهيم سلمان الذي تأهل أيضاً إلى المرحلة الثانية بعد حصوله على 55 درجة، وليضمن كلاهما بتلك النتيجة الانتقال إلى المرحلة الثانية من المسابقة، والانضمام إلى من سبقهم من الشعراء، فيما خرجت من المنافسة الشاعرة التونسية أماني الزعيبي بـ47 درجة.
واستضافت المسابقة التي تبثها قناتا «الإمارات» و«بينونة»؛ الفنان الإماراتي عبد الله المستريح النعيمي الذي أمتع الجمهور؛ بما شدا به من كلمات معالي الدكتور المهندس عبد الله بلحيف النعيمي وزير تطوير البنية التحتية رئيس مجلس إدارة الهيئة الاتحادية للمواصلات البرية والبحرية.

مجاراة بين روضة وبتول
في فقرة المجاراة بين الشعرين الفصيح والنبطي، استضاف البرنامج الشاعرة السودانية روضة الحاج، والتي سبق لها أن شاركت في برنامج أمير الشعراء، والشاعرة الإماراتية بتول آل علي، والتي شاركت في برنامج «شاعر المليون» وتألقت فيه.
وتابع الجمهور الشعراء الأربعة الذين تنافسوا خلال الحلقة، وهم أحمد محمد عسيري من السعودية، وعبد السلام حاج نجيب من سوريا، وهبة الفقي من مصر، ويارا الحجاوي من الأردن. فقدم الشعراء قصائدهم أمام أعضاء لجنة التحكيم، المؤلفة من الدكتور علي بن تميم، الدكتور صلاح فضل، والدكتور عبد الملك مرتاض. وكانت النتيجة لصالح الشاعر السوري عبد السلام حاج نجيب، والذي قدّم نصاً حاز أعلى درجات لجنة التحكيم، إذ منحته اللجنة 47 درجة، تلته الفقي بـ45 درجة، ثم عسيري بـ43 درجة، والحجاوي بـ41 درجة.
وفيما تأهل عبد السلام إلى المرحلة الثانية من المسابقة؛ كان على بقية الشعراء بدء رحلتهم مع مرحلة الانتظار التي تستمر أسبوعاً من التصويت، بعدها يتمّ الإعلان عن انتقال الشاعرين اللذين سيتمكنان من الحصول على أعلى درجتين تؤهّلهما للانضمام إلى زملائهما الذين تأهلوا إلى المرحلة الثانية خلال الحلقات الأربع.

«شاطئ» عسيري
أول الشعراء الذين ألقوا قصائدهم كان أحمد محمد عسيري، فقدم قصيدته «على كرسي شاطئ مقمر»، والتي وجدها د. صلاح فضل متميزة. فقال إنه استمع إلى قصيدة رصينة تنتمي للسلسلة الذهبية من الشعر الرومانسي الجميل. وفي الأبيات الأولى للنص جاء:
يا بحرُ؛ شعري تِعلّاتي وسُمّاري/‏‏‏ مرسى شجوني ومِجدافي وإبحاري
ما بينَ شطرينِ يأوي همسُ مُلهمتي/‏‏‏ وينتشي والِهاً في شَدوِ أشعاري
وما أثار د. فضل في النص؛ جلوس الشاعر على كرسيٍّ، وكأنه أراد بذلك تجديد القصيدة، في حين أن شيخ الشعراء الرومانسيين خليل مطران كان يجلس على صخرة.
د. علي بن تميم بدأ من البحر البسيط الذي جاءت عليه قصيدة أحمد. ورأى أن النصّ جاء موزّعاً بين بحرين، ويتأرجح بينهما. بين بحر الشعر بكل ما ينطوي عليه وبه من صور ومجازات ومعاناة، والبحر الحقيقي بمائه ورمزيّته وأسراره. كما أوضح أن الشاعر ينحاز إلى بحور الشعر، فيناجي البحر سبع مرات بأسراره، لأن البحر يحتفظ بالأسرار ولا يبوح بها.
د. عبد الملك مرتاض أشار إلى أنه بحكم أن القصيدة تضرب بسهمٍ عالٍ في الشعرية؛ فالتصوير فيها بديع، حيث نكاد نجد في كل بيتٍ صورة فنية شفيفة، كما في البيت: (آوى شتاتي كما آويتُ قافيةً/‏‏‏ في نبضِ صدرٍ من الأنّات موّارِ). حيث تقوم الصورة على شيءٍ يتجلّى ثم يتخفّى في حركةٍ نابضة داخل صدرٍ مملوءٍ من الاضطراب والأنين.

«بروكار» عبد السلام
القصيدة التي ألقاها عبد السلام حاج نجيب، والتي حملت عنوان «بروكار دمشقي»؛ جاءت حسنة، كما وصفها د. عبد الملك مرتاض، لجمال تشبيهاتها، ودفق لغتها، وأناقة نسجها، وسحر إيقاعها، وبيانها. وهي القصيدة التي شهدت إعجاباً من لجنة التحكيم التي وجدتها متميزة بكل ما فيها، ومن الجمهور الذي صفق طويلاً للشاعر الذي اخترنا من نصه الأبيات التالية:
طريٌّ كنعناعٍ رشيقٌ كمهرةِ/‏‏‏ كضحكةِ كحلٍ في جفونِ صبيّةِ
كعصفور صبحٍ يطفئُ الحربَ صوتُه/‏‏‏ ويزرعُ ورداً في فمِ البندقيّةِ
«القصيدة تمسُّ القلب، وتضمّد الجرح».. بهذه العبارة بدأ د. علي بن تميم، معرّفاً بالبروكار على أنه أشهر أنواع الأقمشة، وهو المنسوج من خيوط الذّهب والفضّة، واسمه دامسك، أو الدِّمقس، ومنها على ما يبدو جاء اسم دمشق.
وأكد: مثلما خيوط هذا القماش الفاخر مختلفة، كذلك خيوط القصيدة الجميلة، والتي تنسج دمشق من خلالها بخيوط (النعناع، والمهرة، والكحل، والعصفور، والورد، والحمام). وحين يقول الشاعر: (فيا من قطفتِ العِطر من ياسمينها/‏‏‏وكنتِ ببستانٍ الندى ياسمينتي)؛ يظهر الياسمين في جماليات هذا البيت الدمشقي الأليف. وهنا ذكّر د. ابن تميم الحضور بشاعر الياسمين الدمشقي نزار قباني.
ووصف د. عبد الملك مرتاض ما قدمه عبد السلام حاج بأنه ليس كالشعر، إذ قدم قصيدة في منتهى الروعة والجمال، وقال إن هذا هو السحر الحلال.
د. صلاح فضل قال: إن عمل عبد السلام في الديكور جعله يقدم قطعة فنية باذخة وثمينة مثل البروكار الذي تحدث عنه في القصيدة. غير أن الخيوط التي نسجها الشاعر في قصيدته ليست من فضّة وذهبٍ وحرير، إنما من ذهب ولهب، وهذه هي الميزة الأساسية فيها.

«موال» هبة الفقي
ثالثة شعراء الحلقة هبة الفقي التي ألقت قصيدتها «موال عشق لأنثى الخيال»، والتي قال د. علي بن تميم إن بناءها متقن جميل، ولغتها موحية، وأخيلتها رائعة، وبأفعال مضارعة وماضية تصنع الذات الأنثوية المتعالية بجمالها. مع أن التعالي لا ينفع الشعر، بل ما ينفعه هو التّجلّي.
ومن الأبيات الأولى للقصيدة قالت هبة:
أهْمِي على شفةِ العشّاقِ بالعبقِ/‏‏‏ كأنّني غيمةٌ والمنتهى أُفُقي
كأنَّني حينَ مسَّ الّلحنُ قافيتي/‏‏‏ أصبحتُ رقصةَ أنفاسٍ على الورقِ
بدأ د. عبد الملك مرتاض من وصف هبة بأنها «هبة الشعر»، ثم انتقل إلى البحر البسيط قائلاً: في دَأْبِ العادة أن البحر البسيط يقتل الشعر، لكننا لم نشعر أن هذا البحر كما يُقال عنه.
في حين رأى د. صلاح فضل أن القصيدة جميلة جداً ورقيقة، لكن ثمة مشكلة في العنوان «موال عشق لأنثى الخيال». فالشاعرة لعبت في القصيدة لعبة شائقة، هي لعبة التماهي أو التوحيد بين الأنثى والقصيدة، أي تبادل الأدوار، فالأنثى تصبح قصيدة، والقصيدة تتحول إلى أنثى.
وخاتمة الآراء كانت مع د. علي بن تميم، فبدأ من عنوان القصيدة الذي وجده غير متّسقٍ مع المضمون، فهي أنثى من لحم ودم تتجلّى في القصيدة على تلك الشاكلة، وليست أنثى خيال كما في العنوان.
أما القصيدة فتقوم على شعرية بسيطة وهي تشبيه، ولعل هذا ما أضعف الصور، فظهرت بسيطة، كما في: (كأنّني غيمةٌ)، (كأنّني رقصةٌ)، (كفّي ملاذٌ)، (فمي نوارسٌ)، (كَوَحيٍ شقيٍّ)، (أختالُ مثل ربيعٍ)؛ وجميعها جمل تشبيهية، تجعل الصور بسيطة في النص.

«زغاريد» يارا
ختام الحلقة كان مع يارا الحجاوي التي قدّمت نص «زغاريد جبلية لأعراس السواحل»، الذي أعجب د. عبد الملك مرتاض من حيث اشتغالها على أربعة عناصر، وهي (الحركة، الحيّز، والزمان، الأصوات)، ولو أن يارا شاعرة كبيرة، كما قال، لجعلت من النص ملحمة رائعة، ومع ذلك فإن تلك العناصر حين تتعانق تشكّل لُحمة شعرية متكاملة متناغمة، وعلى حداثة سنّها؛ فقد قدمّت قصيدة بديعة هذا المساء. ومما قالته يارا في المقطع الأول من نصّها:
«كان المساءُ خدود يافا/‏‏‏ والنوارس ترفع الأمواج عرسا/‏‏‏ كلّما همستْ لنا السِّرَّ الجليل/‏‏‏ «مشوارنا هذا طويل»
د. صلاح فضل قال: إن القصيدة هي زغرودة الفجيعة، لكن يارا نجحت في تشعيرها، وجسدت طاقة شعرية متفجّرة، تصوّر فيها تلك الحكاية التي تبدأ بها المشوار الطويل.. الطويل. والمشوار الطويل يتجلّى في النضال من أجل الأرض، وهي التيمة الرئيسة للموقف، وبها تفتتح القصيدة وتختتم. فيما النسق السردي يعطي للقصيدة تماسكها، ويبث فيها الوهج الدرامي الممتع.
فيما علّق د. علي بأنّ لكل قصيدةٍ مفتاحاً، وبعض المفاتيح مزيف، وبعضها أصيل، لكن الأجمل ما يقع بين بين، أي تلك المفاتيح غير المزيّفة وغير الأصلية، وذاك هو معدن الشعر الأصيل، ومفتاحه أيضاً.
أما المفتاح فيتجلّى في القصيدة بعبارة (مشوارُنا هذا طويل) التي تكررت ثلاث مرات، لتضمّن قدراً من المعاناة والأمل في الوقت نفسه. والقصيدة تذكّر بقصيدة درويش (عائد إلى يافا)، ففي القصيدتين تشكّل يافا فضاءً للحكاية، حيث يقول محمود درويش (هو الآن يرحلُ عنا ليسكن يافا ويعرفها حجراً حجرا، ولا شيء يشبهه، والأغاني تقلّد موعده الأخضر).
ومن جانبه قال د. عبد الملك مرتاض: يبدو أن القصيدة تحمل مبالغة في التهويم، ولو نحلل الكلمات ونركّبها، لوجدنا مجموعة كثيرة من الألفاظ الشعرية الجميلة والبديعة، غير أن تلك الألفاظ بحاجة إلى بلورة، أو إلى احترافية شعرية لا تزال يارا تبحث عنها، تلك الموجودة لدى درويش.

موعد جديد وأخير
في الحلقة الخامسة والأخيرة من المرحلة الأولى، والتي يجري بثها مساء الثلاثاء 26 فبراير؛ سيكون جمهور المسابقة على موعد مع نتائج التصويت للشعراء الثلاثة الذين تنافسوا ليلة أمس عبر التطبيق الإلكتروني للبرنامج والموقع الخاص به، وكذلك على موعد جديد مع شاعرين وشاعرتين سيتنافسون فيما بينهم شعراً، ويسعى كل منهم إلى حجز موقع متقدّم له في المسابقة، وهم: سلطان السبهان الشمري من السعودية، محمد الأمين جوب من السنغال، دينا الشيخ من السودان، ومنى القحطاني من الإمارات.